الصفحة الرئيسية
>
آيـــة
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} تعرض الآية جانبا من عدل الله تعالى في معاملة العباد، فالله عز وجل لا يسلبهم نعمة وهبهم إياها إلا بعد أن يغيروا نواياهم ويبدلوا سلوكهم ويقلبوا أوضاعهم ويستحقوا أن يغير ما بهم مما أعطاهم إياه للابتلاء والاختبار من النعمة التي لم يقدروها ولم يشكروها.
وتشير الآية إلى جانب آخر من تكريم الله للإنسان حين جعل قدر الله به ينفذ ويجري عن طريق حركة هذا الإنسان وعمله، ويجعل التغيير القدري في حياة الناس مبنيا على التغيير الواقعي في قلوبهم ونواياهم وسلوكهم وعملهم، وأوضاعهم التي يختارونها لأنفسهم.
ومن جانب ثالث يلقي الله عز وجل تبعة عظيمة ـ تقابل التكريم العظيم ـ على هذا الكائن. فهو يملك أن يستبقي نعمة الله عليه، كما يملك أن يزاد عليها إذا هو عرف فشكر، كما يملك أن يزيل هذه النعمة عنه إذا هو أنكر وبطر وانحرفت نواياه فانحرفت خطاه.
والحقائق السابقة تمثل جانبا من جوانب التصور الإسلامي لحقيقة الإنسان، وعلاقة قدر الله به في هذا الوجود، وعلاقته هو بهذا الكون وما يجري فيه...ومن هذا الجانب تتبين تقدير الله للإنسان وفاعليته في هذا الكون...فيبدو عنصرا إيجابيا في صياغة هذا المصير ـ بإذن الله وقدره الذي يجري من خلال حركته وعمله ونيته وسكونه ـ وتنتفي عنه تلك السلبية الذليلة التي تفرضها عليه تلك المذاهب المادية التي تصوره عنصرا سلبيا إزاء الحتميات الجبارة...حتمية الاقتصاد...وحتمية التاريخ...وحتمية التطور ...إلى آخر الحتميات التي ليس للإنسان إزاءها حول ولا قوة، ولا يملك إلا الخضوع المطلق لها.
إنه لفارق كبير بين تصور الإسلام لحقيقة الإنسان ودوره في هذه الحياة، وبين تلك التصورات الأخرى التي لا تعرف سوى المادة البحتة وفقط...فالحمد لله على نعمة الإسلام...ونعمة الإنسانية...ونعمة التكريم.
المزيد |